ولقد كرَّم الشرعُ الحنيف هذا الميل الفطري، وحاطَهُ بسياجٍ من القواعد والآداب؛ لتبقى هذه العلاقة طاهرةً طيِّبةً، تؤتي ثمارها دون أن تسبب أضراراً، وذلك عن طريق الزواج الذي اعتبرته سائر التجمعات البشرية أفضل وسيلة لتحقيق العلاقة بين الرجل والمرأة. وجاء الإسلام منسجماً مع الفطرة السليمة، يؤيدُ ما تدعو إليه من طُهرٍ وعفاف وشرف.. ويخالفُ كلّ محاولةٍ لنشرِ الشر والفساد..
الزواج.. نعمة:
ويبيّن القرآن الكريم أنّ نِعَمَ الله تبارك وتعالى على الخَلْقِ كثيرةٌ؛ ومنها أن جعل لنا الزواجَ طريقةً شرعيةً لتحقيق الارتباط بين الذكر والأنثى. قال الله تعالى في مَعرِضِ الامتنان على عباده بهذه النعمة: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) (النحل/ 72).
ويؤكد القرآن الكريم على حقيقةٍ تاريخية أنّ الزواج كان من نِعَمِ الله تعالى التي أنعَمَ بها على أنبيائه السابقين؛ إذ جعل الله تعالى فيهم مُيولاً فطرية استجابوا لها عن طريق الطُّهر والعفة، المتمثل في الزواج الذي حقَّق لهم تكوين الأسر الطيبة وأنجبوا الأولاد والذرية، فتكاملت النعمة في هذا الجانب.. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا) (الرعد/ 38).
وفي هذا ردٌّ على الذين يروِّجون للعلاقات الآثمة التي لا تستجيبُ لنداء الفطرة الإنسانية، ولا تنسجمُ مع الشرع الإلهي الذي أُنزل على الأُمم السابقة؛ حيث كان البشرُ جميعاً من عهد آدمَ (ع) يرتبطُ الرجل فيهم بالمرأة عن طريق الزواج. بل يريدون أن يقضوا على القِيَم الاجتماعية، ويقطّعوا الروابط الكريمة التي تربط بين الناس برباط المُصاهرة الوثيق، ويدعو إلى فوضى جنسية تمزّق الفرد والمجتمع، وتنشُرُ المرض والرذيلة والتفكك الأسري بحجة التطور والتغيير مسايِرَةً لعصر التقدم.
إنّ الإسلام يرى أنّ الارتباط عن طريق الزواج نعمةً من نِعَم الله بل هو من جلائلِ نِعَمَ الله تعالى. حيثُ يُبيِّن الرسول (ص) أن ما يسبِقُ نعمةَ الزواج في الأهمية هي نعمة التقوى – والتي من ثمارها أن ينجّي الله بها عبده من العذاب في النار، ويُكرِمَهُ بدخول الجنّة – ثم يأتي على أثرها رأساً نعمةُ الزواج بامرأةٍ صالحة.
مصير الإنصراف عن الفطرة:
فإذا أعرض الإنسان عن الاستجابة لنداءِ الفطرة الربانية، وسلك الأساليب الملتوية لتحقيق نزعاته، فهل يعتبر ساعياً في خير نفسه وفي خير مجتمعه؟ إنّ التحوُّل عن طريق الزواج لن يوصل الناس إلى ما يصبون إليه من تحقيق الحاجات البشرية وتنشئة المجتمعات السليمة؛ وإنما هو انصرافٌ عن نعمةِ الله وخيره وبرِّه وفضله. والتردي في مهاوي الرذيلة والتعاسة الدنيوية والشقاء الأخروي. فهل تعي المجتمعات أهمية الزواج في تحقيق خير المجتمع، وترابط أفراده، وسلامتهم وتتنبّه للخطر الداهم الذي يدعو إلى إباحيّة وفوضى تُنتِجُ الأمراض المدمّرة، والمشكلات الاجتماعية العويصة، والتعاسة لكلّ من تلوّث بهذه الأحوال..
إنّ كلّ من يدركُ أهمية الزواج في الحفاظ على سلامة الأُمّة أفراداً ومجتمعات؛ مدعوٌّ لتيسير سُبُلِهِ، والعمل بجهدٍ صادق لتسهيله. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق